بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مرحبا بكم في موقع فضيلة الشيخ/ محمد فرج الأصفر نتمنى لكم طيب الاقامة بيننا        
:: الأخبار ::
فضل الترضى عن الصحابة .. والرد على من قال بعدم الترضى ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     هل شفاعة النبي يوم القيامة للمسلمين وغير المسلمين؟ والرد على المردفين ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     رد الشبهات على من قال بفناء النار أو إلغائها ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ورحل شهر رمضان فماذا أنتم فاعلون؟ ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الرد على من قال بعدم دخول أبو لهب النار ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     رمضان في غزة جوع ودموع وحرمان من العبادة ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الرد على من يزعم ان الجنة يدخلها غير المسلمين ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ثماني عبادات لا تغفلوا عنها في رمضان ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ملف شهر رمضان ... مقالات وفتاوى ودروس ( العلوم الإسلامية )     ||     أبشروا جاءكم شهر رمضان ... وكيف نستقبله؟ ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     
:جديد الموقع:
 

موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || إلى متى سيستمر بوتين في احتواء التيارات الدينية في روسيا؟
::: عرض المقالة : إلى متى سيستمر بوتين في احتواء التيارات الدينية في روسيا؟ :::
Share |

الصفحة الرئيسية >> أقلام القراء >> مقـــالات منـوعـــة >> مقالات مترجمة

اسم المقالة: إلى متى سيستمر بوتين في احتواء التيارات الدينية في روسيا؟
كاتب المقالة: فورن أفيرز خاص للمجلة
تاريخ الاضافة: 12/05/2014
الزوار: 1028

لا يبدو مستغربا أن يحبس الروس أنفاسهم أثناء الاستعدادات للأولمبياد الشتوية 2014 فهناك سبب وجيه وراء ذلك؛ فمدينة سوتشي التي استضافت الدورة، وتقع على البحر الأسود والتي كان رجال الكرملين دائما ما يذهبون إليها كمنتجع، تحتل موقعا خطرا على الجبهة الجنوبية الروسية؛ حيث تقع على مبعدة 50 ميلا فقط من منطقة شمال القوقاز الفيدرالية التي تعج بالنزاعات العرقية والحركات القومية الانفصالية وتتعرض لقمع الدولة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ففي العامين الماضيين فقط، أسفرت أعمال العنف في تلك المنطقة الجبلية الشاسعة والتي تضمنت السيارات المفخخة والاغتيالات والصدامات بين المقاتلين المسلمين وقوات الأمن الروسية عن مقتل أو جرح أكثر من 1500 شخص.
على نحو دائم، كان المسلحون الإسلاميون في شمال القوقاز يناشدون بقية مسلمي روسيا لينتفضوا وينضموا إليهم. ففي الصيف الماضي، دعا دوكو عمروف؛ أحد القيادات المتمردة الذي يزعم هيمنته على ما يعتبره إمارة القوقاز؛ المجاهدين في تتارستان وباشكورتوستان (جمهوريتان مستقلتان تقعان على مبعدة 400 و700 ميل من شرق موسكو على التوالي) «لإفساد» خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقامة الأولمبياد في سوتشي على آثار سلفهم.

ولكن محاولات عمروف لحث المسلمين على الانتفاضة في كافة أنحاء روسيا ضد حكومة بوتين لم تحقق نجاحا يذكر. فلا تزال القوقاز منطقة منعزلة بين المناطق الروسية ذات الأغلبية المسلمة، والتي بالإضافة إلى كونها معقلا راديكاليا، فإنها تتمتع بالاستقرار والتماسك كما أنها مزدهرة إلى حد ما. كما لم يبد أغلبية المسلمين في معظم أنحاء الفيدرالية الروسية تعاطفا مع إخوتهم في منطقة شمال القوقاز المضطربة بل كانوا، تاريخيا، يظهرون اهتماما أكبر بالتعايش مع الدولة وليس مقاومتها.
على أية حال، يظل السؤال الرئيس اليوم هو كيف سيستمر الكرملين في التعامل مع الجالية المسلمة المتنوعة وما إذا كان يستطيع الحفاظ على ولاءات مثل تلك المجموعات المتنوعة. فمن جهتها، بذلت حكومة بوتين جهودا حثيثة لاستقطاب المسلمين لأهدافها السياسية الخاصة، سواء المحلية أو الأجنبية. وكان دائما إيجاد حل للحرب الدائرة في شمال القوقاز مجرد جزء من الأحجية. ففي المناطق الأخرى، يعتمد الاستقرار إلى حد بعيد على ما إذا كانت موسكو سوف تستمر في محاولة السيطرة على كيفية تفسير المواطنين المسلمين بروسيا للشريعة الإسلامية من خلال تحديد أي السلطات والممارسات الدينية يعد وطنيا بما يكفي ومتوافقا مع الدولة.

ومن جهة أخرى، كان مسلمو روسيا دائما يميلون إلى تبني توجهات دينية مختلفة ومتنافسة. ويزيد تدخل الحكومة في الجدال الدائر داخل الجاليات المسلمة المتنوعة من خطر عزل الذين يتبنون اتجاها إسلاميا سلميا ولكنه يتعارض مع الرؤية المعتمدة رسميا للإسلام. بالإضافة إلى أن وضع قيود على التفسير الإسلامي حتى وإن كان ذلك بمساعدة أحد معسكرات السلطات الإسلامية ضد الأخرى لن يقلل من حدة التحديات السياسية الكثيرة المتعلقة بالإسلام والتي تواجهها روسيا، بل على العكس، سيكون على الكرملين احتواء قدر أكبر من التعددية في مشهد إسلامي دائم التغير.

أكبر جالية مسلمة في أوروبا

ومن جهة أخرى، يتحدى مسلمو روسيا التصنيف السهل. فحتى تكوينهم الديموغرافي يعد موضوعا للجدالات العنيفة، فحاليا تقدر الحكومة والصحافيون ومنظمات الحقوق المدنية إجمالي عدد المسلمين بنحو 20 مليونا أو 14 في المائة من إجمالي سكان روسيا الذين يصل عددهم إلى 143 مليون نسمة. ولا يجعل ذلك الرقم مسلمي روسيا ثاني أكبر الجاليات المسلمة في البلاد فقط ولكنه يجعلها أيضا أكبر جالية مسلمة في أوروبا بأسرها. ومع ذلك، فإن آخر تعداد للسكان والذي أجري في 2010 والذي كان يسأل عن الجنسية وكذلك الانتماء الديني أفاد بأن البلاد لديها ما يقارب 13 مليون نسمة من المسلمين أو ما يعادل تقريبا تسعة في المائة من السكان.

ويعد هذا الرقم الأصغر نتاجا للاقتصار على إحصاء أعضاء الجماعات العرقية التي كانت ترتبط تاريخيا بالإسلام مثل الأذريين وبشكير والشيشان والكازاخ والتتار وتصنيفهم جميعا باعتبارهم مسلمين. وتزعم العديد من القيادات الإسلامية بأن ذلك الرقم الأقل يأتي في إطار الجهود التي تستهدف التقليل من شأن كتلتهم السياسية مؤكدين أنه فشل في أن يعكس الانتماءات الدينية الحقيقية للروس. وعلى الرغم من صدور تلك الأرقام الرسمية للتعداد، عادة ما يميل حتى السياسيون الروس المقربون من بوتين وغيرهم من الجمهوريات العرقية لاستخدام التقديرات الأكبر والتي تصل إلى نحو 20 مليونا، وذلك في إطار جهودهم للتأكيد على مزاعم روسيا بكونها جزءا من العالم الإسلامي وجعل تلك المزاعم تبدو أكثر مصداقية لكي يضمنوا التأييد الانتخابي للمسلمين.

وهناك معضلة مشابهة في موسكو، والتي تعد رسميا موطنا لنحو 300 ألف مسلم من إثنيات مختلفة من إجمالي عدد سكان يتراوح بين 12 و17 مليون نسمة. ولكن التعداد لا يكشف سوى عن جزء محدود من القصة. فهناك نحو مليوني مسلم آخرين يعيشون هناك دون أوراق تسجيل ويزعم بعض المراقبين بأن مليونين من المهاجرين المسلمين يعملون في المدينة. وقد أتى معظم هؤلاء المسلمين إلى موسكو للهرب من الأوضاع الاقتصادية السيئة في بلدانهم مثل أذربيجان وطاجيكستان وأوزبكستان. ولكن وضعهم المؤقت الذي عادة ما يفتقر للتسجيل يجعلهم معرضين لملاحقات الشرطة والاستغلال والعنف الإثني وكافة العوامل التي تعرقل مساعي الحكومة لأن تظهر بمظهر التسامح.

وقد ساعد التضارب في أرقام التعداد واعتداءات الشرطة والتعصب الأعمى على جمع المسلمين الروس معا في مجموعة واحدة حتى وإن كانوا في الحقيقة مجموعة متنوعة ومنتشرة في جميع أنحاء البلاد. ففي أماكن مثل تتارستان، يشكل المسلمون النخب ولكن في موسكو يحتل معظمهم أدنى مراتب القوى العاملة. وعلى الرغم من أن النظام الفيدرالي الروسي يمنح المسلمين الروس نفوذا سياسيا معقولا، فإن سياسات الحكومة بما في ذلك حالات موثقة من التحرش الأمني والغارات على المنازل والمشروعات، تعمل على تهميش المهاجرين المسلمين الذين يغيبون عن أعين القائمين على إجراء التعداد ولكنهم واضحون وضوح الشمس لسكان موسكو القلقين تجاه هجرات المسلمين.

ما بعد الشيشان

يعزز هذا القلق مواجهات موسكو الدائمة مع الانفصاليين الشيشان وهو النزاع الذي انتشر عبر شمال القوقاز باعتباره حركة تمرد واسعة يقودها الإسلاميون، والذي أدى إلى الخلط بين الراديكالية والإسلام في عقول الجماهير الروسية. وكما أظهرت تفجيرات فوغوغراد التي وقعت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نقل المسلحون من شمال القوقاز معركتهم ضد الحكومة إلى الأراضي الروسية وبعيدا عن موطنهم الأصلي، وهي المخاوف التي عملت الحكومة على استثمارها.

فمن جهتها، كانت المؤسسات الأمنية الروسية دائما ما تختلق وجود مسلحين في مناطق لا يوجد بها أي منهم وتتهم المسلمين المحليين بالاتصال بالمتطرفين دون وجود دليل بخلاف تربية أحدهم للحية أو ارتدائه ملابس معينة. وعادة ما كان المسؤولون يلقون باللوم – بمساعدة رجال الدين المسلمين المقربين من الدولة – في أحداث العنف، على عاتق جماعات التبليغ،والتي لديها وجود سري في العديد من المدن الروسية اليوم و«حزب التحرير» وهو تنظيم إسلامي يسعى لإنشاء خلافة عابرة للقوميات.
وفي بعض الأوقات، كانت الوكالات الأمنية تساهم في التهديد الأمني بأساليب أكثر مباشرة. حيث قام كل من بوتين خلال ولايته الأولى كرئيس، وسلفه بوريس يلتسين، باستغلال الحرب التي اندلعت في الشيشان في أواخر التسعينات لتعزيز شبعيتيهما وتبرير سلسلة من الإجراءات الأمنية القمعية. وكنتاج لذلك التلاعب، أصبح العديد من الروس، ولديهم أسباب وجيهة لذلك، يشكون بأن هيئة الأمن الفيدرالية الروسية متورطة في عدد من الهجمات الإرهابية الكبرى التي رجت أرجاء روسيا قبل عقد بما في ذلك سلسلة من تفجيرات المباني في جميع أنحاء البلاد في عام 1999 وكارثة مسرح دوبروفكا في عام 2002 (والتي راح ضحيتها نحو 40 مسلحا شيشانيا و130 رهينة).

وترغب موسكو أن تصور العنف في شمال القوقاز باعتباره عنفا مرتبطا بالتمرد الإسلامي خارج روسيا. فبعدما شن الكرملين الحرب الثانية في الشيشان في عام 1999، دشن بعض المقاتلين المسلمين حملة لإنشاء إمارة إسلامية على الأراضي الروسية. ولكن هؤلاء المتآمرين الذين لديهم أهداف طوباوية لم يكونوا مسؤولين سوى عن قدر محدود من الاضطرابات في المنطقة. فبشكل عام كانت أنشطة المجموعات المسلحة في القوقاز تقتصر على الصراعات المحلية على السلطة ولم يكن الدين سوى أحد العوامل المحركة لها. وكان المقاتلون المتطرفون أكثر اهتماما بتحقيق مكاسب من نشاطاتهم الجنائية أو الانتقام من وحشية الحكومة أكثر من القضايا الإسلامية.

والحقيقة هي أنه على الرغم من دعاية الحكومة وملاحقاتها، ما زال معظم المسلمين الروس مرتبطين بقوة ببلدهم ومؤسساتها. وعلى الرغم من تنامي جاذبية الإسلام العابر للقوميات – أصبح بإمكان المسلمين الروس الآن التسوق للحصول على أحدث صيحات الموضة الإسلامية في المحال المخصصة وحضور معرض «الحلال» السنوي الذي ينعقد بموسكو – فإن ذلك لا يعكس تحولا أصوليا للولاءات أو التوجهات.
فمن جهة، لا يبدي معظم المسلمين الروس اهتماما بدعوات الدعاة الأجانب. فعلى غرار المجتمعات الأخرى في روسيا، استغل المسلمون الحريات التي حصلوا عليها منذ سقوط الشيوعية والإلحاد لإعادة اكتشاف دينهم. ولكنهم كانوا في معظم الأحيان يرفضون العروض التي يقدمها الدعويون الأتراك والحكومة السعودية أو غيرهم من الأجانب لاستبدال الحزب الشيوعي الذي يعود إلى العصر السوفياتي برجال دين جدد يأتون من الخارج. وباستثناء جمهورية داغستان، بشمال القوقاز، التي لديها علاقات وثيقة بالمؤسسات التعليمية العربية، ركز المسلمون الروس على تأسيس مدارسهم الدينية الخاصة. وفي إطار تلك الجهود، تمتع المسلمون بتأييد قوي من الدولة التي منحت الإسلام وضع «أحد الأديان التقليدية في روسيا» وعلى الرغم من أنها رسميا دولة علمانية، تميل روسيا إلى الكنيسة الأرثوذكسية كما تعهد المسؤولون بحماية الإسلام والبوذية بل وحتى اليهودية من المؤثرات الأجنبية. وعمليا يعني ذلك تأييد السلطات الدينية المستعدة للعمل مع الدولة لتعزيز الوطنية بين المتدينين.

نموذج كاثرين الثانية

وكان نموذج الإسلام، الذي تجده الدولة موائما، حاضرا في المشهد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما أحيا المسؤولون الروس ورجال الدين الإسلاميون في «أوفا» عاصمة جمهورية بخارستان الذكرى 225 للإدارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا وهي مؤسسة أنشئت في عهد كاثرين الثانية لوضع الإسلام تحت إشراف الدولة. وخلال عهد كاثرين (1762-96) حصل مسلمو روسيا على إقرار رسمي بمساجدهم ورجال الدين الخاصين بهم، بل إن حكومتها قبلت تطبيقهم للشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالزواج والأسرة والأخلاق العامة. كما كان الملالي والأفراد المترددون على المساجد دائما ما يلجأون إلى الشرطة القيصرية للوشاية بجيرانهم الذين يرتكبون الزنا أو لا يواظبون على حضور الصلوات. وأصبح الإسلام أحد أعمدة النظام الإمبراطوري المحافظ.

وفي المقابل، كان من المتوقع أن تقوم السلطات الإسلامية بتعليم أتباعها أن كونهم مسلمين صالحين يعني بالضرورة الولاء للدولة. ومن ثم، وكما هو الحال الآن، كان تسامح السلطة يأتي مشروطا بعدة عوامل. وبالمثل، كان العديد من رجال المسلمين ما زالوا يتحدثون في خطبهم ضد المظالم الاجتماعية ويركز عدد منهم على السياسة الخارجية ليعكسوا رؤية الكرملين تجاه التحالف بين البلدان المسلمة ورؤيته لروسيا كمعادل لنفوذ الولايات المتحدة.
وأثناء الاحتفالية بـ«أوفا»، أعلن بوتين الإسلام «كمكون أساسي للثقافة الروسية وجزء عضوي وأساسي في التاريخ الروسي» واحتفى بالمؤسسة لأنها ساعدت على أن تجعل المسلمين «وطنيين حقا ومنتمين لوطنهم». ولكنه حذر من أن «قوى سياسية محددة» تسعى «لاستغلال الإسلام أو على نحو أكثر دقة تيارات راديكالية» لإضعاف الدولة. وأضاف بوتين أن «مسلمي روسيا كانوا دائما متحدين في خدمة المجتمع ودولتهم والدفاع عنها ضد الأعداء الخارجيين ومظاهر التطرف». كما دعا رجال الدين الحضور «لرفع أصواتهم» في الدفاع عن الوحدة والتجانس داخل روسيا وفي العالم الإسلامي بشكل عام والمساعدة على دمج العمال المهاجرين وتعزيز المؤسسات الإسلامية التي تتبنى الرؤية الإسلامية الروسية المميزة لتهميش «القيادات غير الرسمية» التي تهدد بتعاليمها الزائفة الدولة.

وأبرزت ملاحظات بوتين كيف كان المسؤولون المسلمون والروس دائما يشاركون في الحوار حول كيف يمكن ضبط الإسلام وهو الحوار الذي كان دائما للدولة اليد العليا فيه. وبالطبع استجاب طلعت تاج الدين، رئيس الإدارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا والبالغ من العمر 65 عاما بحماسة لتوجيهات بوتين. وتعزيزا لإشارة بوتين إلى الجهود التاريخية للمسلمين في الدفاع عن الدولة، أشار المفتي إلى أن مؤسسته كانت تقوم بكل ما في وسعها للحفاظ على «الإسلام التقليدي» ومنع «دعاية الفصائل الطغيانية والتيارات الراديكالية في مجتمعاتنا».

رهان بوتين

على الرغم من أن ذلك الخطاب يمثل محاولة من بوتين للحفاظ على سيطرة الدولة، فإنه يعكس أيضا المعضلة التي يواجها، نظرا لأن مسلمي روسيا لا يتحدثون بصوت واحد. فعلى الرغم من أن تاج الدين أكد تعاونه، فإن لديهم خصما شرسا، وهو رافاييل جينودين (54 سنة) رئيس مجلس المفتين الروسي، وهي الهيئة التي تتكون من رجال الدين وتتنافس مع الإدارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا على العمل كممثل رسمي للإسلام في روسيا. وبالطبع لم يكن جينودين سعيدا بظهور تاج الدين مع بوتين ومن ثم كان ظهوره مقتضبا خلال تلك الاحتفالية بأوفا، فقد كان الرجلان يتنازعان لسنوات طويلة حول السيطرة على المؤسسات الإسلامية بروسيا بما في ذلك العديد من الهيئات والمدارس الدينية في صراع يستهدف الفوز بالمكانة الاجتماعية والموارد المالية وكذلك دعم الدولة.

ومن جهة أخرى، رأى تاج الدين الاحتفال السنوي كاحتفاء بدعوته لتوحيد نحو 80 تنظيما إسلاميا إقليميا في البلاد تحت سلطته، ولكن جينودين، من جانبه، انتقد تاج الدين لتأييده قرار محكمة محلية منع تقديم ترجمة جديدة للقرآن وهو الحكم الذي أغضب المسلمين المدافعين عن الحقوق المدنية. ويهدد احتفاء بوتين بتاج الدين واعتباره الصوت الرسمي للإسلام في روسيا بالإساءة إلى موقف تاج الدين في عيون أتباعه، كما أنه يعرض العلاقة الطيبة بين الكرملين وهيئة جينودين للخطر كما أنه يمكن أن يعزز موقف المعارضين المسلمين الذين يرون أن الملاحقات ضدهم تتزايد. فبتبنيه لتاج الدين، ربما يراهن بوتين على الحصان الخاسر.

وتسود تلك النزاعات على السلطة أنحاء روسيا حاليا؛ حيث يتنازع زعماء المساجد مع بعضهم البعض على الهيمنة، ويتبادلون التهم بالتطرف والهرطقة ويستدعون الدولة والشرطة للتدخل. فعلى سبيل المثال قام الإمام سيد جعفر لطفولين، إمام مسجد بتتارستان والذي نظم حملة لمقاطعة حفل إلتون جون في عاصمة الجمهورية خلال العام الماضي، بالتحذير من قيام اثنين من خصومه بنشر الآراء المتطرفة المرتبطة بحزب التحرير، وهو ما ترتب عليه إدانتهما على الفور وسجنهما.

وتخفي تلك النعوت المثيرة للجدل نزاعات أكثر عمقا وتجذرا حول ما الذي يعنيه كونك مسلما في روسيا اليوم. فخلال العقدين الماضيين، أدى البحث عن جوهر الإسلام في عالم ما بعد الاتحاد السوفياتي إلى إجابات متعددة وخلافات عميقة. فعلى سبيل المثال، احتفى العديد من التتار بالرؤية التي تفيد بأنهم يمارسون الإسلام كجزء من الإرث الإثني، وهي الرؤية التي عززها رجال دين يستمدون سلطتهم من الحكومة، ويجدون أن ذلك التفسير وثيق الصلة بهويتهم التتارية المستقلة. وسرعان ما نعتت تلك المدرسة في التفكير من ينتقدون رؤاها بأنهم متطرفون.

ومن جهة أخرى، كان المثقفون التتار الأكثر علمانية يتطلعون إلى الغرب مؤكدين أن الإسلام يدعو للإصلاح بما يتوافق مع ذلك النوع من الإصلاحات الذي جرت ممارسته في أوروبا، ويقولون إن الإسلام يجب أن يكون متوافقا مع المفاهيم المعاصرة للتقدم وحقوق المرأة. ووفقا لرؤيتهم، يجب أن يتمتع المسلمون بالمرونة عندما يقررون ماهية التقاليد القانونية الإسلامية المناسبة لعصرهم.
وتقف كل من المفاهيم العرقية للتتار التي تتحكم فيها الحكومة، وكذلك الرؤية الأكثر علمانية، في مواجهة سلفيي روسيا الذين يرفضون مثل تلك التفسيرات. فمن جهتهم، يمثل السلفيون مجموعة مسيسة ومنتشرة في مجموعات صغيرة في جميع أنحاء البلاد تعد من أكثر الجماعات الإسلامية تفردا ليس فقط من خلال اللحى والملابس ولكن نظرا لأنهم يمثلون تحديا ثقافيا واضحا للوضع الراهن.

في بخارستان، وتتارستان، وموسكو، وسان بطرسبرغ وغيرها من الأماكن في روسيا، تمتزج كافة أنواع الجماعات السنية والشيعية بطرق جديدة خاصة عبر الهجرة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا إلى الجنوب. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن السلفيين يرفضون الصوفية (التي تتبنى توجها أكثر روحانية للإسلام وتقدس الأضرحة ورجال الدين)، يلتقي أفراد كلا الجماعتين خلال العمل في بناء المواقع وفي الأسواق وفي مساجد موسكو المتعددة. كما يصلي كلاهما إلى جانب متملقي التراتبيات الإسلامية التي تدعمها الدولة ومن يدعون إلى أن يعمل المجتمع المدني بدلا من الدولة على إدارة الشؤون الإسلامية.
وبالنسبة للتعددية الناشئة والمعارضة واكتشاف الإسلام في روسيا سيكون من الخطأ أن تبالغ في مستوى هذا الإحياء الديني أو مساواته بالتنظيمات المسلحة. وقد وجد استطلاع رأي أجراه في عام 2010 مركز أبحاث الرأي العام الروسي أن المسلمين أقل حماسة تجاه الإجازات الدينية والأدب والطقوس مما كانت عليه الكنيسة الأرثوذكسية. وفي تتارستان، أظهر مسح جرى إجراؤه في عام 2012 أن ستة في المائة من المسلمين ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم «متدينين للغاية»، فيما يقر نحو 17 في المائة آخرين بأن «لديهم شكوكا» بشأن ما إذا كانوا ما زالوا مسلمين من الأساس. وعلى الرغم من أن النساء المسلمات في تتارستان كانوا يمارسون أنواعا مختلفة من ارتداء أغطية الشعر منذ بداية التسعينات فإن سبعة في المائة فقط منهن يرتدين الحجاب.

وإذا ما افترضنا أن النشاطات المسلحة تولد في رحم مناطق الحروب مثل القوقاز، فإن تتارستان ليس لديها ما تقلق بشأنه. فنظرا لوجود صناعة بترولية مربحة، وأرض زراعية خصبة وقطاع صناعي قوي، حصلت تتارستان على التصنيف الرابع في المناطق الروسية نظرا لارتفاع مستوى المعيشة وذلك في استطلاع حديث حيث جاءت بعد موسكو وسان بطرسبرغ ومنطقة موسكو الكبرى. وكان أكثر المجيبين على الاستطلاع تدينا ليسوا الرجال الغاضبين الذين يميل الصحافيون الروس والغربيون لتصويرهم على نحو كاريكاتيري؛ بل كانوا متقاعدين نساء يعيشون في الريف. ولا يمكن أن يكون هناك تناقض أكثر وضوحا من المقارنة مع الجمهوريات التي تمزقها الحروب مثل جمهورية الشيشان وإنغوشيا واللتين بالإضافة إلى حالات العنف المستمرة، فهناك ثلث السكان يعاني من البطالة واليأس والتوتر.
تناقضات الكرملين

وبمزيج من جذب حلفاء متدينين وقمع آخرين وتخليد صورة الاضطرابات الإسلامية النابعة من القوقاز، يعاني اتجاه الكرملين من التناقض. وتعمل الحكومة جاهدة لإبراز رغبتها المميزة في التسامح ولكن باصطدامها بالوسطاء الذين اختارتهم فإنها تخاطر بصنع أعداء جدد. ويزعم أن الإسلام هو إحدى الديانات الروسية التقليدية الذي تدافع عنه الدولة ولكنها تثير الذعر بين غير المسلمين تجاه ترجمات محددة للإسلام وتنعت مناطق بأسرها بالتسلح الإسلامي.

ولكن ترويج الحكومة الانتقائي للإسلام يتوافق مع أهداف السياسة الخارجية لبوتين. وقد شكل تأكيد بوتين على العلاقات التاريخية بين الإسلام وروسيا بالإضافة إلى تصريح الرئيس ديمتري ميدفيديف في عام 2009 بالقاهرة (والذي كرره بوتين في أوفا) بأن روسيا كانت «جزءا أساسيا» من العالم الإسلامي، وهو ما شكل مسلك موسكو لاستعادة نفوذها في آسيا والشرق الأوسط. وتمثل مثل تلك التصريحات أيضا إجابة وإن كانت صامتة للأصوات المحلية المتنامية المتعلقة بكراهية الأجانب والانتقادات العنصرية التي يديرها السياسيون الشعبيون والتنظيمات اليمينية ضد مهاجري روسيا.

خاضت حكومة بوتين التي كانت لا تستريح للتعددية وتنوع الممارسات الإسلامية في روسيا رهانا باختيارها للمفسرين المصيبين للإسلام. ولكن بقيامها بذلك فإنها خسرت هؤلاء المسلمين الذين يجدون تحالفات بين السلطات المسلمة والحكومة. وإلى حد كبير، سوف يقرر المسلمون الروس أنفسهم من لديه السلطة لكي يتحدث بأسمائهم بغض النظر عن محاولات بوتين لكي يقرروا العلاقات الدينية مع الدولة.

* روبرت كروز: مدير برنامج الدراسات الإسلامية صهيب وسارة عباسي وأستاذ التاريخ بجامعة ستانفورد.
وهو مؤلف كتاب «من أجل النبي والقيصر.. الإسلام والإمبراطورية في روسيا وآسيا الوسطى».

طباعة


روابط ذات صلة

  هل يقبل الغرب صعود الإسلاميين للسلطة؟!  
  استقالات الجيش ومرحلة جديدة في تركيا  
  محاكمة مبارك ... حقبة مصرية جديدة  
  أبعاد التدخل الكيني في الصومال  
  أنشودة الغرب.. "الإسلاميون قادمون"  
  تركيا تدرس تكلفة التصعيد مع سوريا  
  انتخابات مصر... والاختبار الصعب  
  ماذا لو وجهت واشنطن ضربة لإيران؟!  
  كيف ترى "إسرائيل" صعود الإسلاميين في مصر؟  
  النفوذ الإيراني في إفريقيا  
  مزيج الخطر .. النفط الإيراني والعقوبات الأمريكية  
  نظام الأسد.. بداية النهاية  
  إسلاميو مصر وعوائق ما بعد الانتخابات  
  سوريا بين شبيحة الأسد وحزب الله  
  خيبة أمل إيرانية في الربيع العربي  
  في أزمة سوريا.. واشنطن تتخلى عن الدوافع الأخلاقية!  
  هل الحدود مع مصر قابلة للانفجار؟  
  تخوفات "إسرائيلية" من برلمان مصر  
  مصر.. ورطة ما قبل الانتخابات الرئاسية  
  اليمن فوق صفيح ساخن  
  حواديت عمر سليمان  
  الغرب يسعى لتقسيم نيجيريا للقضاء على الأغلبية المسلمة  
  إعادة تعريف تنظيم القاعدة  
  سيناريوهات أمريكية محتملة لنهاية الأزمة السورية  
  لماذا بدأت إيران تغيير لهجتها الصارمة تجاه واشنطن؟  
  العزوف عن الزواج بالمغرب .. بين انتفاء القدرة وحميمية حرة  
  ماذا تحمل أمريكا لمصر؟  
  لماذا بدأت إيران تغيير لهجتها الصارمة تجاه واشنطن؟  
  جول يناقش طروحات حل الأزمة السورية.. والحقبة التركية بالمنطقة  
  صعود الأكراد في سوريا  
  ماذا تحمل أمريكا لمصر؟  
  سوريا والمحيط: أولى مؤشرات التقسيم  
  ماذا تحمل أمريكا لمصر؟  
  مجاز "وحيد القرن" في مصر  

أحدث الإضافـات

  الجزائر.. الاحتجاجات ووعي الإرادة  
  السودان.. استمرار سيولة الدولة  
  ماذا يعني قانون يهودية الدولة؟  
  قانون القومية.. تكريس لليهودية وإلغاء للهوية الفلسطينية  
  ميلانشون مفاجأة الشوط الأخير برئاسيات فرنسا  
  أردوغان أنهى جمهورية أتاتورك  
  تنظيم صهيوني بفرنسا يهدد داعمي مقاطعة إسرائيل  
  هل تكون الأصوات الجزائرية حاسمة برئاسيات فرنسا؟  
  انتخابات فرنسا هل يمكن الحديث عن كتلة مسلمة ؟؟  
  الاتحاد الأوربي بمفترق صعب في ذكرى تأسيسة  


 
::: التعليقات : 0 تعليق :::
 
القائمة الرئيسية
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الإشتراك

عدد الزوار
انت الزائر : 991833

تفاصيل المتواجدين