أكد رئيس الجمهورية المؤقت الدكتور المنصف المرزوقي أثناء افتتاحه للندوة الوطنية لاطلاق الحوار حول العدالة الانتقالية انه على الحكومة ان تنجح في مسار العدالة الانتقالية لكي لا يضطر الشعب الى الانتقال الى العدالة الانتقامية.
وقال المرزوقي «نحن بصدد التأسيس للنظام الجديد وهو ما يحقق كرامة الناس ... الحكومة السابقة عملت على تأخير المحاسبة وحماية المورطين بل انها أصبحت عائقا أمام الحكومة التي جاءت بها الانتخابات بل كانت عائقا بالاجراءات التي اتخذتها».
وتابع «بعد عقود من الاستبداد ونضالات شعبنا ضده الحكومة اليوم تجعل ضمن أولوياتها اصلاح ما أفسده الفاسدون فالتونسيون يريدون ان يروا مطالبهم تتحقق وان يروا العدالة التي لطالما حلموا بها ... نحن نؤمن بالعدالة الانتقالية لكن لا يجب ان تكون دون محاسبة ... هناك أقلية تريد المصالحة دون محاسبة».
محاسبة
وأوضح المرزوقي قائلا «المحاسبة في معناها الذي ندعوا اليه في صالح المظلومين ويجب ان تحترم كل مقاييس حقوق الانسان والمحاسبة لاتستهدف أشخاصا بقدر ما تستهدف ممارسات».
وتسائل الرئيس المؤقت «هل نحن مهيؤون الآن للعدالة الانتقالية؟ البعض يقول ان الأمر في حاجة الى الارادة السياسية وهي موجودة لكن البلاد تحتاج الى قوانين جديدة ذلك ان الظالمين ضبطوا ترسانة من القوانين لمصلحتهم».
وأشار الى ان العدالة الانتقالية لا تستهدف فقط مداواة جراح الماضي بل الحرص على ان لا تتكرر في المستقبل معتبرا ان هاته المهمة تتطلب الابتعاد عن التنابز السياسي.
وأكد المرزوقي انه اذا لم تتمكن الحكومة الحالية والمجلس الوطني التأسيسي في أسرع وقت ممكن تحقيق العدالة الانتقالية «فلن تتمكن أية حكومة أخرى في المستقبل من تحقيق ذلك ... يجب ان تنجح العدالة الانتقالية لكي لا يضطر شعبنا الى الانتقال للعدالة الانتقامية... لنضرب بقوة على أيدي من الفاسدين الذين شعارهم ان لم تستحي فأفعل ما شئت وهم يرغبون في اعادة التموقع من جديد واستغلوا سماحة الثورة».
وفاء لدماء الشهداء
ومن جهته اعتبر رئيس المجلس التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر ان ارادة المحاسبة متوفرة في جميع مؤسسات البلاد «من حسن حضنا انه هناك فئة قليلة تطالب بالمصالحة دون خوض فيما حصل في الماضي وعفى الله عما سلف، نقول يحق لكل انسان ان يسامح في حقه الشخصي لكن وفاء لدماء الشهداء وتحقيقا لأهداف الثورة لن نقبل بالمصالحة قبل المحاسبة».
وتابع «نحن اليوم نحتاج الى قراءة للصفحة المريرة التي طبعت تاريخ تونس وقد عانى شعبنا من ويلات الظلم والقهر والتهميش والاقصاء وحرم من حقوقه».
وقدم رئيس المجلس الوطني التأسيسي ملخصا للمراحل التي تمر بها العدالة الانتقالية وآلياتها من مساءلة ومحاسبة وجبر للضرر وصولا الى المصالحة.
ملف وطني
ومن جانبه اعتبر رئيس الحكومة حمادي الجبالي ان اللقاء مناسبة هامة على درب تحقيق أهداف الثورة وطي صفحة الماضي مؤكدا ان العدالة الانتقالية هي ملف وطني يهم كل التونسيين والتونسيات وأن المجلس الوطني التأسيسي معني به بدرجة أولى لأنه مدعو الى سن قانون يأطرها طبقا للفصل 24 من القانون المؤقت المنظم للسلط العمومية.
وقال الجبالي إن «المصالحة تتم عبر كشف حقيقة ما حصل من انتهاكات في الماضي والاعتراف بمعاناة الضحايا وتعويضهم ماديا ومعنويا... واصلاح مؤسسات الدولة ومحاسبة من تورطوا في العنف والتعذيب والاهانة ومنع عودة الاستبداد واستعادة سيادة القانون».
ومن جهتها قالت كايونق واك انق ممثلة المفوضية السامية لحقوق الانسان ان الندوة حدث مهم في تاريخ تونس وان العدالة الانتقالية يجب ان تكون في قلب كل الاصلاحات «لكي لا تضيع تضحيات التونسيين».
وأكدت ممثلة المفوضية السامية تعهدها بتقديم كل الدعم لتونس في مسار العدالة الانتقالية وخاصة من الناحية القانونية.
وفي الاتجاه ذاته قال السيد دافيد تولبار رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية «نعتبر ان تونس نجحت في القيام بتغيير سياسي وفي القيام بانتخابات نزيهة وحرة وهذا الحوار قادر على ان يرسي مسارا شفافا وجديا للعدالة الانتقالية ولخلق نموذج خاص بالتونسيين ... يجب ان يتحقق أكبر قدر ممكن من العدالة وأنا أؤمن بأن تونس قادرة على ابداع نموذجها الخاص».
ومن جانبه قال ادريس يزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان بالمغرب إن «النقاش العمومي والحوار الوطني يعتبران من الشروط الأساسية لتكريس الاصلاح الديمقراطي، ولا يمكن في أي حال ان نسقط تجربة بلد على آخر لكن هناك نقاط مشتركة منها ارادة السياسية وتعني ارادة الدولة وارادة الطبقة السياسية ومكونات الحركة الحقوقية حيث ما كان مسار العدالة الانتقالية لينجح في المغرب دون ارادة الملك والطبقة السياسية ومكونات المجتمع المدني».
وتابع «لا يستقيم مسار العدالة الانتقالية دون مساءلة الدولة حول الاخلالات لضمان عدم الافلات من العقاب ويظل ذلك رهن الخيار السياسي أما المصالحة فهي الهدف الاستراتيجي ولا يقصد بها الصلح بين طرفين وانما المصالحة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأخيرا تعتبر الاصلاحات المؤسساتية ضمان استراتيجي لعدم تكرار ذلك في المستقبل هذا وتتفاعل كل دولة مع مرتكزات العدالة الانتقالية حسب خصوصية كل منها».
وفي كلمته قال الأستاذ سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية «لقد كان نظام الاستبداد والفساد عاملا موحدا للتونسيين قبل الثورة حتى انها جمعت الفرقاء السياسيين لمقاومة الفساد والاستبداد... نتوجه الى كل المظلومين ولكل من غيبتهم السجون والمنافي نساء ورجالا بأنه من حقهم على الدولة ان ترد لهم حقوقهم وان تجبر لهم الضرر الذي حصل لهم».
وتابع «ان الاجتماع في هذا المجلس ينم على تجاوز مرحلة الاستشارات الصورية التي كانت تحصل وان العدالة الانتقالية ليست تقنية بحتة وانما يجب ان تشارك فيها كل الفعاليات وسيضمن احساسا وطنيا قويا... كما انه من المهم ان يكون الحيز الزمني معقولا يضمن نجاعة اي مسار مستقبلي، كما انه في المجتمع التونسي كفاءات يمكن التعويل عليها وقد أظهرت ذلك الندوة التي حصلت مع قيادات الأحزاب والمنظمات».
هذا وانقسم ممثلو الأحزاب والمنظمات الوطنية والدولية الى أربع ورشات لمناقشة عدة مسائل متعلقة بالعدالة الانتقالية وهي ورشة «كشف الحقيقة وانتهاكات الماضي» وورشة «جبر الضرر ورد الاعتبار» وورشة «المساءلة حول انتهاكات الماضي» وورشة «الاصلاح المؤسساتي».
وقدم مقررو اللجان في اختتام الندوة تقاريرهم في جلسة عامة لكل المشاركين وقد لاحظ ديلو ان السؤال الذي يدور في أذهان المشاركين هو «ماذا بعد هذه الندوة؟» وهنا قال في كلمته الختامية «أقترح عليكم ان يكون ملتقانا الثاني في نفس هذا المكان خلال يوم مفتوح نفسح فيه المجال لممثلي منظمات المجتمع المدني حتى نقلب الآراء فيها وحول توسيع الحوار والمشاورات وربما للجهات حتى يكون للمجتمع المدني مقترح يقدمه الى المجلس الوطني التأسيسي الى جانب مقترح الحكومة».
وأكد الوزير على ان مسار العدالة الانتقالية لا يجب ان يرسم في جلسة بين ممثلين للشعب حتى وان كانوا منتخبين وان العدالة الانتقالية مثل كتابة الدستور لا يجب ان يكتبه الغالب ولا أن تحكمه التجاذبات السياسية «لذلك هذا الحوار هو استباق لكي يكون قانون العدالة الانتقالية على قياس المجتمع التونسي وليس على قياس أي طرف بعينه».