موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || "أوسلو" الملعون.. المظلوم
اسم المقالة : "أوسلو" الملعون.. المظلوم
كاتب المقالة : معن البياري

ثمّة بؤسٌ وفيرٌ في خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، الخميس الماضي. ولكن، ليس منها أنه لم يتضمّن تحللاً من اتفاق أوسلو، ولا حل السلطة الفلسطينية، فليس مؤكداً أن أحوال الفلسطينيين في وطنهم المحتل ستكون أحسن، لو تم الأخذ بهاتين الأطروحتين اللتيْن يستسهل كثيرون المطالبة بهما، من دون اكتراثٍ بالنتائج والتداعيات. وليس محسوماً أن الشعب الفلسطيني، لو أعلن عباس ذلكما الأمريْن، سينتقل إلى طورٍ من مقاومةٍ مسلحةٍ مشتهاةٍ ضد الاحتلال، طالما أن "أوسلو" اللعين هو ما يغلّ يديه عن ذلك. ولأنه ليس من الشطارة في شيء أن يُسترسَل في سرد مساوئ هذا الاتفاق، فذلك من نافل الكلام وبديهياته، لا يحسُن تمضية وقتٍ في أمر مثل هذا، ففي البال أن محمود عباس نفسُه صرّح، بعد ساعات من توقيعه الاتفاق في باحة البيت الأبيض (بيده اليسرى)، إن الفلسطينيين لن يأخذوا أكثر مما سيعطيهم إيّاه الإسرائيليون. أما ياسر عرفات، فبعد أن سمع من جمعٍ فلسطينيّ في الدوحة، كان صاحبُ هذه السطور فيه، انتقاداتٍ غزيرةً للاتفاق، وذلك بعد عامين من توقيعه، عقّب بأن "أوسلو" أكثر سوءاً مما سمع. ومقصد التأشير إلى هذا من عرفات، رحمه الله، وذاك من عباس، أطال الله عمره، هو التنبيه إلى أن صنّاع "أوسلو" يعرفون سوءه، وفي وسعهم تعيين نقائصه.
ليس للسجال مع أي أحد، مهمٌّ جداً التذكير بأن الاتفاق الشهير، (السيئ جداً كما يحسن التأكيد دائماً)، لم يتضمن تسليماً فلسطينياً بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي، كما أنه ليس اتفاق سلام، بل هو "إعلان مبادئ" بين منظمة التحرير وإسرائيل حول "ترتيبات المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي"، وهذا هو اسمه الرسمي. ويجدر التذكير، أيضاً، بأن كل المفاوضات التي أعقبت حفل توقيع هذا الاتفاق (السيئ كما سبق التأكيد) في باحة البيت الأبيض، قبل 22 عاماً، أخفقت في الوصول إلى حلّ نهائي مع إسرائيل، لسبب بسيط، موجزه أن الأخيرة لا تريد إنهاء احتلالها الذي تيسّر لها في 1967، وهذا هو المطلب المركزي لدى كل المفاوضين الفلسطينيين طوال هذه السنوات. ولنا أن نلعن سنسفيل كل عملية التفاوض هذه كما نشاء، ولأيٍّ منا أنْ يقول ما يشاء عن رداءات الأداء الفلسطيني في جولات هذه العملية، وعن المفاوضين أيّاً كانوا، إلا أنه من الإنصاف عدم الذهاب، في هذه الغضون، إلى الكلام السهل المجاني، عن تفريط هؤلاء وتنازلاتهم، فلو تم التفريط والتنازل لتم الوصول، في مداولات "كامب ديفيد" بين عرفات وإيهود باراك، ثم في مفاوضات أحمد قريع وتسيبي ليفني، إلى حل نهائي، سيكون سيئاً بالتأكيد. لم يحدث هذا، وظلّ التأزم في "عملية السلام"، المرذولة طبعاً، أوضح ما فيها.
أما "أوسلو" نفسه (السيئ طبعاً) فالمشكلة معه أن تنفيذه تم منقوصاً، ولم يكتمل حتى اللحظة، لتكون لعناتنا عليه في مطارحها. لم تكمل إسرائيل تنفيذ كل الانسحابات المتوجّبة عليها، ولم تقم بكامل الالتزامات المترتبة عليها في "إعلان المبادئ". وعلى الرغم من ذلك، كانت معارضة اليمين الصهيوني وقوى التطرف الإسرائيلية له شديدةً، ونظنّها هي التي نجحت في إفشاله، وحالت دون أن ينْفذَ الفلسطينيون منه إلى تحقيق ما اشتهوه من آفاقٍ، يشتمل عليها، واعتقد عرفات أن الاتفاق جعلها قدّام ناظريه. وربما تزيد هذه السطور في الطنبور وتراً، في تذكير قرّائها بأن إرييل شارون الذي لم ير في "إعلان المبادئ" هذا سوى أنه واحدةٌ من بدع شيمون بيريز، تعمّد، ومن منظور صهيوني استراتيجي، تحطيم المطار الفلسطيني في غزة، وتدمير المراكز الأمنية، واستهداف مقرّات الرئاسة، في اعتداءات "السور الواقي" في 2004، باعتبارها تمثيلات جنينيّةً لكيانٍ فلسطيني، أقامه "أوسلو".
لم يخطئ محمود عباس حين لم يرضِ كثيرين بإلغاء "أوسلو"، الاتفاق السيئ الذي أعاد ربع مليون فلسطيني إلى وطنهم، والمظلوم الذي لم تر نصوصه كامل التطبيق اللازم لها، وأفشلته المعارضة الإسرائيلية اليمينية، لا المعارضة الفلسطينية، مع كل الاحترام.


تاريخ الاضافة: 05/10/2015
طباعة