موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || صنعة الدجال في قم.. الخميني أنموذجًا
اسم المقالة : صنعة الدجال في قم.. الخميني أنموذجًا
كاتب المقالة : د/ محم صقر

تعد فتنة الدجال من أعظم الفتن تفريقًا بين الحق والباطل وتمحيصًا للناس، ولذا كانت من أشراط الساعة التي تختتم بها صفحة الدنيا إلى الآخرة، وكان من خطورتها أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر منها أمته، ففي حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أكثر خطبته حديثًا حدَّثنَاه عن الدجال وحذَّرناه، فكان من قوله أن قال: "إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبيًّا إلا حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة". الألباني، صحيح الجامع 7875.

وتبعًا لتلك الخطورة اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بذكر صفات الدجال ومظاهر فتنته وكيفية خروجه ومقدار لبثه وكيفية العصمة منه وطريقة هلاكه، حتى لا يغتر المسلمون بما يرونه من ظاهر عمله ولا يخدعون بما يسمعون من عظيم جلله، فخط بذلك منهجًا واضحًا في النجاة وطريقًا سالكًا لذوي البصيرة.

وهكذا تبرز شخصية الدجال كعلامة على الإغواء والإضلال، وهما وظيفتان لم يختص بهما الدجال دون غيره، فقد شهدت الأمة في فترات مختلفة من مسيرتها التاريخية ظهور أفراد أعمى قلوبهم الحقد لانطفاء نيرانهم وبوار أديانهم فما فتئوا يتقمصون دور الدجال متوسلين في شعاراتهم حب المسلمين لآل البيت كغطاء يخفي نواياهم الحقيقية في حسم صراعهم مع الإسلام.

ولا تكاد توجد طائفة معاصرة أظهرت مغالاتها في هذا الحب كالطائفة الخمينية في إيران؛ إذ أصبح الشعار مرتكزًا أساسيًّا في خطاباتها الدينية، ومنه نشأة عقيدة الولاية التاريخية التي تعد العلامة الفارقة في ملة الخميني بين الإيمان والكفر "الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام، بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية".

لقد بدا توظيف الولاية عملًا مهمًّا في صنعة الخميني، حيث عليها فقط مدار قبول الأعمال، ولأجلها يتم الطعن في كل المسلمات الدينية، وتقولب العقائد وخاصة أركان الإيمان لتتوافق معها، فمقام التوحيد يخلو من التقديس والتنزيه والأدب، يقول الخميني: "إننا لا نعبد إلهًا يقيم بناء شامخًا للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه، ويُجلس يزيدًا ومعاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه"، ومنزلة الملائكة تردها منزلة الأئمة: "إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وقد ورد عنهم (ع): أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل"، والكتب المنزلة من الله وعلى الأخص القرآن الكريم مشكوك فيه، يقول الخميني: "إن الذين لم يكن لهم ارتباط بالإسلام والقرآن إلا لأجل الرئاسة والدنيا، وكانوا يجعلون القرآن وسيلة لمقاصدهم الفاسدة، كان من الممكن أن يحرفوا هذا الكتاب السماوي في حالة ذكر اسم الإمام في القرآن، وأن يمسحوا هذه الآيات منه وأن يلصقوا وصمة العار هذه على حياة المسلمين"، والرسل مقصرون في رسالاتهم لعدم كمالها: "كل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل، لكنه لم ينجح، حتى خاتم الأنبـياء محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتحقيق العدالة لم يوفق في ذلك أيضًا، فالذي سينجح بتحقيق العدالة في كل أرجاء العالم هو المهدي المنتظر"!!

هذا المقام لأركان الإيمان يفسر الكثير من الاضطراب في التمسك بشعائر الإسلام باعتبار أنها ما شرعت إلا لأجل الولاية المتمثلة في الأئمة، ولأن الإمامة توقفت في تسلسلها الزمني عند الثاني عشر (المهدي المنتظر) الذي اختفى في سرداب بسامراء، وواصل نوابه الأربعة عصر غيبته الصغرى ليؤسس بعدها فقهاء الإمامية الجامعون للشروط المعتبرة سلطتهم الشرعية في زمن غيبته الكبرى، فإنه ما من شيء يحول دون تطوير فكرة حضور المهدي المعصوم في شخص ولي الفقيه دون الفقهاء الآخرين ليمارس ما يسميه الخميني ولاية الفقيه المطلقة، والتي تعني اختزال كافة السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، حيث لا دولة إلا دولة الفقيه وحكومته التي هي "شعبة من ولاية رسول الله (ص) المطلقة، وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام, ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج، وتستطيع الحكومة (ولاية الفقيه) أن تلغي من طرف واحد الاتفاقات الشرعية التي تعقدها مع الشعب إذا رأتها مخالفة لمصالح البلد والإسلام، إن الحكومة تستطيع أن تمنع مؤقتًا في ظروف التناقض مع مصالح البلد الإسلامي إذا رأت ذلك، أن تمنع من الحج الذي يعتبر من الفرائض المهمة الإلهية. وما قيل حتى الآن وما قد يقال ناشئ من عدم معرفة الولاية المطلقة الإلهية"

وبالنظر إلى مآلات ولاية ولي الفقيه (المطلقة الإلهية) والتي تصطدم بما يعتقده عامة فقهاء الإمامية من ولاية خاصة تتيح مجالًا أوسع لهم للمنافسة والمشاركة الدينية، تبرز شخصية الخميني لتفرض على الأتباع الاستسلام المطلق والطاعة العمياء تمهيدًا لتنزيهه عن الخطأ ولجعله ممن لا ينطق عن الهوى!! حيث ليس ثمة ما يحول حينذاك بين الخميني والتردي في تغييب أتباعه عن دين الإسلام، فماء الاستنجاء سواء كان من البول أو الغائط طاهر، وصلاة الجنازة تصح من الجنب، والمشهور والأقوى جواز وطء الزوجة دبرًا، ولا يجوز نكاح بنت الأخ على العمة وبنت الأخت على الخالة إلا بإذنهما، ويجوز نكاح العمة والخالة على بنتي الأخ والأخت، يجوز التمتع في الزانية، ويجوز أن يشترط عليها وعليه الإتيان ليلًا أو نهارًا وأن يشترط المرة والمرات مع تعيين المدة بالزمان!! (الخميني، كتاب تحرير الوسيلة 2/241ــ 291).


ورغم أن آراء الخميني واجتهاداته الضالة ذات جذور متأصلة في الفقه الشيعي المضطرب، إلا أن سلطته كولي للفقيه أتاحت لاختياراته الفقهية التمدد والاتساع، ناهيك عن القبول بين أتباعه باعتبارها فتاوى ملزمة من نائب المعصوم، الذي بلغت منزلته حد وصف بعضهم له بأنه "أعظم من النبي موسى وهارون"!!.


والواقع أن الدفع إلى هذا الاتجاه ــ حد التقديس ـــ كان يتم منذ اللحظة الأولى لوصول الخميني إلى السلطة، وذلك من خلال إجراءات تربط بينه وبين تعاليم الإسلام من مثل ما ذكره العلامة الإمامي موسى الموسوي في إدخال الخميني اسمه قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ألفاظ الأذان على نحو: الله أكبر، الله أكبر، خميني رهبر (القائد)، ثم أشهد أن محمدًا رسول الله.

لقد أفضى روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني (24 سبتمبر1902   3 يونيو1989م) لِمَا قدَّم، تاركًا فتنته التي غرستها يداه لتلتهم بنيرانها أتباعًا سيقال لكل منهم يوم القيامة: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].

تاريخ الاضافة: 24/04/2015
طباعة